هذه سيرةٌ ليست كغيرها من السيَر. يقرؤها الجاهل بتفاصيل حياة النبيّ صلّى الله عليه وسلّم فيجد فيها الأخبارَ وأُطرَها والقصصَ وعِبَرَها، ويقرؤها العارفُ المُلِمّ، فإذا ما يعرفه من أحداثٍ مُتفرّقة في الزمان وفي المكان يتّحد ويترابط بفاعليّة التأويل وحُسن الاستنباط، فيُشَدّ بعضُه إلى بعض كالخيوط الدقيقة في الحبل المتين. وهل حياة النبيّ الأكرم برُمّتها إلاّ ذاك الحبل الممدود من السماء إلى الأرض؟ وما أوثقه من حبلٍ شهد له الله عزّ وجلّ بأنّه «رحمة للعالمين».
والكتاب مع ذلك ذو طابع حميم هو أبرز ما يُميّزه من كتب السيرة المعروفة قاطبة، فضلًا عمّا فيه من براعة التحليل ولطائف التأويل. وقد وسَمه مؤلِّفه الشاعرُ التونسيُّ الفذّ جعفر ماجد بميسم الشاعريّة ورهافة الحسّ، وما أحوجنا إليهما ونحن نتأمّل سيرةً خَطَّتْها الحكمة الإلهيّةُ والعاطفة والعقل البشريّان في تمازجٍ مُحكم، فحُقّ أن يكون عُنوانها: «مُحمّد النبيّ الإنسان»