كثيرًا ما نقرأ في السيرة النبوية الشريفة، ترصد حياة الرسول محمد صلى الله عليه وسلم رصدًا نمطيًّا يشبه بعضه بعضًا، ونادرًا ما تتطرق هذه المؤلفات إلى الجانب النفسي المُمتد في سيرة النبي صلى الله عليه وسلم طَوال حياته، لكن هذا الكتاب كَسر هذا النمطَ التقليديَّ في رصد السيرة واتخذَ أسلوبَ السرد والرواي
ة سبيلًا لرصد حياة خير البشر، الذي تهيَّأ الكونُ لقدومه قبل أن يأتي إلى هذه الدنيا، فكانت كل النبوءات والإرهاصات والعلامات التي تُنبِّئ بمولده صلى الله عليه وسلم تسيطر على أفهام ومشاعر الأحبار والكهان وقراءة الكتب السماوية في تلك الحقبة الزمنية. أمسك المؤلف بخيطٍ حريريٍّ دقيقٍ في حياة النبي محمد صلى الله عليه وسلم، وهو ""اليُتم"" الذي أُصيب به محمد تِباعًا طَوال حياته، ولعل هذا واضحٌ من العنوان ""يتيمًا فآوى"".. وقد ظلَّ المؤلف مُمسكًا بهذا الخيط من البداية إلى النهاية بحرص شديد، مما جعل القارئ يرى جوانب ربما تبدو جديدة عليه في السيرة النبوية، ويشعر بأنه يتعايش مع الأحداث تعايشًا نفسيًّا، مفعمًا بالأحاسيس، قريبًا إلى الرؤية، كأنه عدسة مكبرة توضح تفاصيل الأشياء، وليس مجرد سرد تاريخي للأحداث. ""يتيمًا فآوى"" تجربة جديدة في سرد السيرة النبوية من الناحية النفسية والاجتماعية، تخوض عُباب النفس البشرية بسفينة المشاعر الصادقة، فتصل إلى مجاهل الأسرار المختبئة وراء أعظم سيرة لأعظم إنسان في الكون